يلخص محمد آدم فاشر أحداث المكيدة التي دبرت لإسماعيل باشا - حسب السيناريو الذي يقترحه - في أن "الحملة ظلت تطارد المماليك، وبعد معركة كورتي فروا إلى بلاد الجعليين ومنها إلى النيل الأبيض، وعندما توجهت الحملة إلى النيل الأزرق للقضاء على مملكة سنار عاد المماليك إلى بلاد الجعليين وخططوا للمؤامرة، هو ما يفسر الإعداد المسبق للمواد بغرض خلق الذعر وإرباك صفوف الحملة"، وهو رأي يتسق مع رؤية الشاطر بصيلي الذي يصرّ على أن المماليك هم من أحرقوا إسماعيل. ويصف آدم فاشر دور المك نمر بأن كل ما فعله هو أن أعد وليمة ضخمة تناسب مقام الحاكم الجديد للبلاد بغرض التقرب إليه، دون أن ينتبه إلى الأجندة الأخرى التي كان يحملها المماليك. وهو - آدم فاشر - يضع ملاحظة أن الطريقة التي اغتال بها المماليك ابن الباشا هي ذات الطريقة التي دبر بها والده محمد علي مذبحة القلعة ضدهم. ونضيف نحن هنا أن أسلوب الغدر بالخصوم وهم على مائدة الطعام لم يثبت استخدامه - على حد علمي - من القبائل السودانية لا قبل تلك الحادثة ولا بعدها، ما يقوي من رواية آدم فاشر عن أنه أسلوب (وافد) مع المماليك الذين تعرضوا لمذبحة بذات الطريقة من قبل.
وعن حملة الدفتردار الانتقامية يرى محمد آدم فاشر أنها لم تكن بالقسوة التي صورت بها وإلا لأبيدت قبيلة الجعليين من قبل الأتراك الذين سيطروا سلفاً على كل الرقعة الجغرافية التي من الممكن أن تتحرك فيها القبيلة لستين عاماً، ولو كانت الحملة بتلك القسوة لاختفى الجعليون إلا من نفذوا بجلدهم إلى الحبشة والأصقاع الأخرى النائية.
ثم يصل آدم فاشر إلى خلاصة ما يريد قوله وهو إن حصر تاريخ الأمة - كما يقول - في حادثة قطع طريق أو مؤامرة انتقام، عمل يعيب الكتابة التاريخية، وفي أحسن الأحوال هو ليس سوى تاريخ قبيلة ودائماً يضاف إليه ما يعلي من شأن القبيلة ويسبغ عليها البطولات وغير ذلك من أوصاف الكمال على حساب الحقيقة أو على حساب الغير. قبل أن يدعو إلى إعادة قراءة التاريخ باستصحاب وجود مملكة المماليك بدنقلا إذ يرى أن إخفاء مملكة المماليك والنتائج المترتبة على تدميرها أدى إلى بتر فصل كامل من تاريخ السودان مما جعل البعض يحاول الاجتهاد لمعالجة الخلل في السياق التاريخي.
في بداية عرضي لهذه المقالة قلت إن مقالة آدم فاشر تحتوي على الكثير من الجوانب التي يعتبر نقاشها تجديفاً تاريخياً، هذا إن لم يوصف كاتبها بـ(الشعوبية) مثلاً. ورأيي هذا بنيته على النقاط التي يمكن أن نخلص إليها منها - المقالة - وتطعن خاصرة الرواية الرسمية المتداولة، وهذه النقاط هي:
في بداية عرضي لهذه المقالة قلت إن مقالة آدم فاشر تحتوي على الكثير من الجوانب التي يعتبر نقاشها تجديفاً تاريخياً، هذا إن لم يوصف كاتبها بـ(الشعوبية) مثلاً. ورأيي هذا بنيته على النقاط التي يمكن أن نخلص إليها منها - المقالة - وتطعن خاصرة الرواية الرسمية المتداولة، وهذه النقاط هي:
أولاً: غزا محمد علي باشا السودان لمطاردة المماليك الذين نجوا من مذبحة القلعة وكونوا مملكتهم في دنقلا، وليس من أجل المال والعبيد كما قيل.
ثانياً: لم يحارب الشايقية الغزاة بل انضموا إليهم وما يحكى عن تحميس مهيرة بت عبود لهم لم يكن في معركة كورتي ضد الأتراك بل كانت المعركة ضد المماليك.
ثالثاً: لم يقتل المك نمر إسماعيل باشا حرقاً بل المماليك من فعلوا ذلك.
رابعاً: لم يخصّ الدفتردار الجعليين بقسوة تزيد عن قسوته المعتادة على بقية القبائل.
أخيراً: بنيت الرواية الرسمية عن أحداث الحملة على وجهة نظر القبيلة التي تنزع إلى منح القبيلة بطولات تعلي من مكانتها بين القبائل.
وبعد. هذا سيناريو يشحذ الخيال حقاً، اقترحه محمد آدم فاشر لبعض ما صاحب الحملة التركية على (السودان)، وهو يبين - في رأيي - وجود طرق وزوايا يمكن النظر منها لترتيب السياق التاريخي بما يوافق الأدلة والاحتمالات دون إهمال أي منها من أجل الوصول إلى أقرب رؤية للوحة التي رُسمت بتفاعل مكونات كثيرة ومعقدة.
شكراً محمد آدم فاشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق