الأربعاء، 15 فبراير 2012

محمد آدم فاشر (2)



يقترح محمد آدم فاشر في مقالته (الثأر من كردفان والنيل الأبيض على جريمة شندي هو الفصل المبتور من التاريخ المسطور)؛ سيناريو مختلفاً للأحداث التاريخية التي صاحبت حملة محمد علي باشا على السودان. وهو سيناريو على درجة من الإمتاع ويصلح ليكون مرتكزاً لمزيد من التأمل في الأسئلة الحائرة التي تصاحب التاريخ (الرسمي) على أمل جلاء ما خفي منه.
يرى محمد آدم فاشر أن السبب الأول لحملة محمد علي على السودان كان القضاء على المماليك الذين نجوا من مذبحة القلعة وفروا إلى السودان مؤسسين مملكة قوية في دنقلا وما حولها. وعليه يقترح أن كل المقاومة والمعارك التي تعرضت لها الحملة كانت من عمل المماليك، وهو ما يرى أنه بُتر ممن كتبوا تاريخ السودان، ما أدى إلى ضياع فصل مهم يغير وضع الأحداث في السودان ككل.
ويستدل آدم فاشر بمعركة كورتي - مثالاً - التي قال إن التاريخ صورها على أنها معركة الصمود ضد المحتل. ويرى أن رواية وزارة التعليم السودانية (الرواية الرسمية) لا تحقق حاجة البحث العلمي الذي يحدد لكل معركة هدفاً من أربعة أهداف هي: دينية، اعتداء بغرض الحصول على المغانم، رد الحقوق، صد العدوان.
ويناقش آدم فاشر فرضية الوزارة بأنها لصد العدوان ويرى أن هناك عدة نقاط تقف في وجه هذا الأمر مثل: أولاً إنه بالمقارنة بحجم القبيلة لا يستطيع الشايقية حشد عدد كبير من المقاتلين، وليس هناك ما يدل على أنهم استنفروا القبائل الأخرى من حولهم. ثانياً إن انخراط الشايقية في حملة الخديوي كان طوعاً ووصفه بأنه حدث غريب في عرف الحروب لأن المواجهات العنيفة تترك مآسي من الصعب جداً عبورها في اللحظة إلى مرحلة الصداقة، وإذا ما أرغموا على الانخراط في الحملة وهو ما لم يحدث لأية قبيلة قبلها وبعدها فالأولى أن يتم تجريدهم من السلاح وهو ما لم يحدث.
من هذه الملاحظات يقترح محمد آدم فاشر أن ما حدث لا يمكن قراءته بمعزل عن دور المماليك وأنهم قاوموا الحملة في معارك طاحنة كانت من ضمنها كورتي حيث حملوا الشايقية على القتال معهم وعندما انهزموا جنوباً انضم الشايقية إلى الباشا لملاحقة المماليك. ثم أورد رواية أخرى تقول إن المماليك عندما انهزموا في أرض النوبة من قبل جيش إسماعيل فروا جنوباً مع عائلاتهم ومنقولاتهم فحاول الشايقية قطع الطريق عليهم ربما طمعاً في ما يحملون لكنهم تعرضوا للهزيمة مما أوجد الحاجة إلى صوت نسائي يحثهم على الثبات فكانت (مهيرة).
ثم يعرج آدم فاشر إلى حادثة حرق إسماعيل باشا بأرض الجعليين، مورداً الرواية المشهورة عن مطالبة الباشا للمك ثم إهانته ومن ثم المكيدة والحرق. ويبدي ملاحظات ذكية هي: أولاً كان الموسم موسم أمطار مما يصعب الحصول على الأعشاب بالمواصفات المذكورة تاريخياً، وإذا وقع الافتراض أنها جُمعت منذ موسم الجفاف فما السبب؟
ثانياً صورت الرواية السائدة موكب الباشا وكأنه موكب صغير يمكن استضافته في منازل من القش تُنشأ سريعاً.
ثالثاً لم تؤكد المصادر أو الرواية المدة التي قضتها الحملة ببلاد الجعليين والسبب الذي يجعل الحملة تتأخر هناك.
رابعاً لا يحتاج الباشا لإذن من المك للحصول على المال والأنعام!
ويواصل آدم فاشر في عدد من التساؤلات حتى يصل إلى ملاحظة أن حملة الدفتردار الانتقامية ذهبت إلى كردفان ثم إلى النيل الأبيض قبل أن تأتي أخيراً إلى بلاد الجعليين! قبل أن يتساءل السؤال الرئيسي لديه في هذه المسألة: إن مقتل إسماعيل باشا في شندي عند عودته عبر مكيدة هذه حقيقة تاريخية، ولكن يبقى السؤال من الذي فعل ذلك؟


نتابع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتبوع

11 الدافع الحارق الذي حمل «عامر العربي» على حزم حقيبته متعجلًا ذات أصيل في سنتنا الجامعية الثالثة، ليقرر العودة فجأة إلى قريته، كان هو نفسه ...