الخميس، 9 فبراير 2012

محمد آدم فاشر (1)


(1)
من قديم كنت أحس بأن ثمة خطباً ما في (تاريخ السودان). أستند في إحساسي بهذا الخطب إلى هشاشة المسلمات التاريخية التي اعتمد عليها السرد الخيالي - بنظري - الذي سمي (تاريخ السودان) ومن ثم حُشيت به رؤوسنا بلا ترفق.
الأسئلة النشطة التي كانت تثاورني من حين إلى حين، تبدو إجاباتها (الرسمية) بلا سند من أبسط أنواع المنطق. كانت هذه الأسئلة من نوع: ما الذي حدث خلال 300 سنة قبل الفونج؟ أين ذهب العنج؟ من أسقط دولة علوة؟... الخ؛ كلما أغرقت فيها، وجدت أن ثمة يداً عبثت بشيء ما  في مكان ما لغرض غامض.
ومن أجل أن يكون ما أرمي إليه جلياً، فقد تم التعارف (مدرسياً) على أن إسقاط دولة علوة جاء عبر تحالف (العبدلاب) و(الفونج). بغض النظر عن تجاهل روايات أخرى غير رواية التحالف الرسمية، يمكننا ملاحظة أن في ذاك الوقت (حوالي 1500م) لم يكن هناك (عبدلاب) إذ إنهم أبناء عجيب بن عبد الله جماع... الخ القصة، وحتى لدى ود ضيف الله مثلاً لا نجد هذا الاسم (العبدلاب) بل يشير إليهم باسم (أولاد عجيب) أو (ولد عجيب شيخ قري).
جرت محاولات تصحيحية لاحظتها مؤخراً بجعل التحالف بين الفونج والقبائل العربية بقيادة عبدالله جماع القاسمي، إلا أن هذه المحاولات لم تأخذ بعد قوة تمكنها من إزاحة المسلمة السابقة.
ذات الأمر يشبه الإجابة على سؤال: أين ذهب العنج؟ وهم نوبيو دولة علوة. بعضهم لديه الشجاعة - مثل د.الباقر العفيف - ليقول: (العنج ديل نحن ذاتنا) والبعض يتجاهل هذا السؤال تماماً. إلا أن الطريف هو تعامل الروايات المحلية الشفاهية مع هذا الأمر، فالنوبيون انقرضوا بالجدري (مع ملاحظة أنه جدري انتقائي جداً لم يقتل غيرهم من مساكنيهم) وذلك دفعة واحدة مثلما هي الرواية الشائعة في شرق النيل الأزرق، أو أرسل إليهم الله ثعابين ووحوشاً طردتهم إلى الصحراء ليفسحوا المكان للعرب الوافدين مثلما هي الرواية في الشمالية.
إن أسئلة مثل هذه - على بساطتها - تفتح أفقاً آخر للنظر، مدهشاً، ومفاجئاً، ومحطماً للكثير من الأوثان التي نحن عليها في اعتكاف.

(2)
ما دفعني لنبش هذا الموضوع مرة أخرى، الزاوية الممتعة التي نظر منها محمد آدم فاشر إلى التاريخ المدون للغزو التركي للسودان. إذ يفترض أن ثمة انتحالاً جرى لمقاومة المماليك للجيش الغازي؛ من قبل الشايقية والجعليين (كورتي ومقتل إسماعيل). وهو يؤسس هذا الرأي على تساؤلات منطقية وقراءات للواقع المحيط في جدله مع الصراعات القائمة في ذلك الوقت. مشيراً إلى عدم قدرة القبائل على حشد الأعداد التي قيلت، إضافة إلى أن مفهوم الوطن في ذلك الوقت لم يكن يعني أكثر من حمى القبيلة.
تحتوي مقالة آدم فاشر على الكثير من الجوانب التي يعتبر نقاشها تجديفاً تاريخياً، هذا إن لم يوصف كاتبها بـ(الشعوبية). إلا أنها مع ذلك ممتعة، وواضحة، وإن لم تخل من أثر التدافع القبلي المحتدم مؤخراً.
سنعود إليها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتبوع

11 الدافع الحارق الذي حمل «عامر العربي» على حزم حقيبته متعجلًا ذات أصيل في سنتنا الجامعية الثالثة، ليقرر العودة فجأة إلى قريته، كان هو نفسه ...