1
إذن، ما الحدود بين حقل وحقل؟
من قديمٍ لم تقنعني رؤية "التخصص" التي تفصل بين الرياضيات واللغة العربية، لم تبدُ لي صائبة، إذ أن مفهومي المبكر عن التطبيق يجعل الرياضيات تندغم ضمن اليومي، ضمن كل آخر غيرها، وإلا فلا فائدة منها – بنظري – غير أن تكون مجرد (تمرين) عقلي يسرِّع معالجة عقلك للبيانات (بلغة أهل الكومبيوتر). فأنْ أجد أنّ عدد حروف كلمة ما يساوي ضعف حروف ما أستخدمه لشرحها أو الوصول إلى (معنى) ما يستغرقها؛ يجعل ذهني ينطلق إلى أماكن أخرى في خريطته بحثاً عن علاقة ما هنا أو هناك.
ظللت أعتنق إيماناً بأن لكل شيء علاقة ببقية الأشياء، ومن يتمكن من رؤية هذه العلاقة يصل إلى لا نهائية الأفق المبتغاة – مني شخصياً – للرؤية الكاملة على استحالتها. هذا الإيمان يجعل الفواصل غير ذات منطق – لي – وذائبة إلى حد ما ضمن تداخلات قد تبدو خفيفة ولكن لها أثرها على الكلِّي الذي له أثره عليّ ومن ثم له أثر على ما لي أثر عليه.. أو هكذا إلى نهاية تشابك الجدل.
أقول إن تناسق السياقات التي بُنيت عليها فكرة الحقول وانفصالها التام عن بعضها إلا في نقاط تماس محددة اكتمل التعارف عليها بوصفها ما يربط بين السياسي والثقافي، السرد والشعر، القصة والرواية؛ ومن ثم انفجار كل هذا التعقيد ليخلق آلاف الشظايا التي تشغل أحيازها وتشغل أذهاناً تتزاحم في أحيازها ذاتها عمليات التفكير في انفصالية؛ هي مرهقة لي.
2
الوجود بين مفهومين؛ التشظي والاندماج؛ يكاد يلحق بالثنائيات التي – في ما أرى – شكلت الدرجة الأولية للبشري إذ يتعلم التفكير تدفعه حاجة خلق بناء تبريري يماسك ما تبعثره الحادثات المفاجئة التي لا تحمل ما يشفع لها أمام المنطق البسيط الحاكم للسببية التي أراحت – ولا تزال – عقل البشري في بنية حلقية تدور إلى ذات النقطة، لكن بمحمولات أكثر ثقلاً.
أرى التشظي في إيجاد الحقول، في حصر الفعل (الكتابة عندي فعل) داخل حيز إن حدث تجاوزه عُدّ ذلك ضعفاً أو خروجاً، وكأن باب التجريب أغلق – في رواية – أو أن الخروج مسموح به داخل حدود!
أن يكون صاحب أفقٍ موسوعياً؛ أعني به أن يعرف كيف أن التسميات والتحديدات والتحقيلات وما يشبهها من البنى؛ فُرضت – ربما – أو وجدت حين أن أحداً يفعل كما يهوى أو كما يجيد، جعل فعله قياسياً يقارن به أفعال غيره. إن تخنيث الفعل حين أنه متعدد المذاقات ربما يقود إلى كسر حاجز يتوهمه مَنْ خلفه حماية من مجهول.. في حين سيقول ظني إن تخنيث الفعل محاولة نحو جعل كل شيء هو بالضبط "كل شيء" ليس أكثر. أعني أن الفعل الكلي ربما يمنح قوة على إدراك أفق يخيف، في السعي الغريزي نحو الكمال – كما يراه كل فرد – بما يجعل الإنسان "عارفاً بالخير والشر" كواحد منهم!
3
إنه الفعل، إنها الفعل، لا فرق عندي بين حقل وحقل، أريد كل شيء، أن أعرف كل شيء، أرى كل شيء، أن تخطر ببالي جميع الكلمات، أن أسمع كل صوت، أن أفكر وكأن لي أدوات تفكير لا نهائية.. لذا أرى سجني في الحقل، في النمط؛ محض إهدار لي.. لذا أحاول و(أفرفر).
4
إذن، ما الحدود بين حقل وحقل؟ من وضعها؟ لماذا؟ وما الذي سيحدث إن زالت هذه الحدود؟ إن صارت المعرفة معرفة، الكتابة كتابة، الفعل فعلاً، البشر بشراً، الأشياء أشياء، الـ كل شيء كل شيء لا شيء بعينه؟
أحاول أن أن أكون كُلِّي، وفشلي يعلمني أن الفشل ذو علاقة بالرياضيات واللغة والمعتقد وبطول أصابعي و... إلخ كل شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق