الاثنين، 10 نوفمبر 2014

زوايا مختلفة لنظرةٍ واحدة.. عن أسئلة التعليم القديمة الحديثة




قبل خمسة وعشرين عاماً، وقفتُ أمام معلِّم الرياضيات، أتلقى توبيخاً مشوباً بالازدراء والتهكُّم. كان السبب أنني استفسرت عن ماهية النسبة الرياضية (باي π)، ومن أين أتت. كنت أنظر إلى وجه المعلِّم الذي كان يحسّ بالإهانة، وقد اعترته مسحة غضب يحاول مداراتها، وهو يحاول جعلي أحس بالغباء وبالذنب لأن لا أحد من زملائي الذين يتطلعون إليّ بنظرات مشفقة؛ قد سأل مثل هذا السؤال، ما يجعل سؤالي "غير مفيد" على حد تعبيره، فالمطلوب مني فقط "حفظ" أن قيمة باي تساوي (3.14). كان واضحاً أمامي ببساطة أن المعلم لم يكن يعرف من أين أتت هذه الـ (3.14) التي يطالبنا باستخدامها عند حساب مساحة الدائرة.
أعرف الآن أن في ذلك اليوم تآكلت ثقتي في المعلمين والمعلومات التي تصدر منهم، وهو تأثير بلغ ذروته بعد سنتين من تلك الحادثة، عندما تركتُ المدرسة لأنها فقط أصبحت لا تروق لي. بالطبع أُجبرت على العودة إلى الدراسة بعدها، لكن لم أعد آخذ العملية التعليمية مأخذ الجد مثلما كنت أفعل. ولأن أبي، والمعلمين، وزملائي، كانوا يراقبون بكثير من خيبة الأمل انحدار مستواي الدراسي عاماً بعد عام، من المراكز الأولى التي كنت أحتلها، حتى صرت ضمن زمرة الوسط، لذا عندما امتلكت أخيراً القدرة على الإفلات من نظام التعليم هذا، لأترك الدراسة في الجامعة قبل أشهر معدودات على نهاية السنة الأخيرة؛ لم تبد عليهم الدهشة أو يحيطوني بالإشفاق مثلما كان ردّ فعلهم على محاولتي ترك المدرسة في المرة السابقة، بل بدا الأمر طبيعياً، فما عاد أيٌّ منهم ينتظر مني شيئاً على ما يبدو.

الجمعة، 18 أبريل 2014

وداعاً "غابيتو".. وداعاً أيها الساحر



دائماً هناك قصة عن اللقاء الأول لكلٍّ منَّا بماركيز -يكون غالباً على صفحات "مائة عام من العزلة"، أو "الحب في زمن الكوليرا"-  ذلك اللقاء المذهل، المتسبِّب للكثيرين في دهشة قد تستمر أعواماً، وقد يلطم البعض بكوابيس لذيذة. فأن يقتحم عليك ماركيز صمت حياتك في سن الثالثة عشرة – مثلاً- مثلما حدث معي؛ لهو أمر كاف ليزلزل مسلماتك عن الحياة والموت والمنطق، يبذر فيك الريبة فلا تميِّز ما هو حقيقي وما هو ليس كذلك، بل قد يثير رياح مراكبك التي لم تبحر حتى ذلك الوقت في الأنهر الساكنة لحياة الريف المنسي في دولة تقع في قلب أفريقيا. كيف تسلَّل إلى هناك؟ أي قوة تجعل ماركيز يصل إلى هذه المجاهل، يصل إليك، فتعرف أنه أفضل ما أنتجته كولومبيا، حتى قبل أن تعرف ما كولومبيا؟
أحبُّ ماركيز، مثل أكثر أبناء جيلي المفتقر إلى الحياة والحب. أحب ماركيز الذي جاء ليشبعنا ويُغْنِي فقرَنا ذاك بحكاياته، بعالمه المكوّن من عصير الرغبات والاحتمالات والخسارات الصغيرة.
تعرف بعد سنوات أن ماركيز غيَّرك، فترى النهر كالأنهر في قصصه، وحقول قصب السكر تصير حقول موز رطبة، والغابة الصغيرة الشوكيَّة تغدو غابة استوائية مطيرة، وترى الناس الواجمين في بلدتك المُهمَلَة يتدفقون سحراً، كما لو أنَّك تجول بين دفتي رواية، وتصيخ لماركيز يرصّ التفاصيل ليبني حلماً شاسعاً ناريَّ الجمال.
وداعاً الآن، غابرييل غارسيا ماركيز، سنهشُّ النسيان عن اسمك؛ سنهشُّ الموت عن دهشتنا الأولى بك، ولن تموت.

المتبوع

11 الدافع الحارق الذي حمل «عامر العربي» على حزم حقيبته متعجلًا ذات أصيل في سنتنا الجامعية الثالثة، ليقرر العودة فجأة إلى قريته، كان هو نفسه ...