الاثنين، 28 نوفمبر 2011

انتقاء

يشكل  اللون الأسود لدى من يريحون ذواتهم على فرضية أنهم من أعراق عليا، بيضاء بالضرورة؛ شائبة تقلق اتزانهم النفسي – اللاواعي – حين الاختبارات الأولية البسيطة التي تجعل ذلك الانتماء لا يصمد كثيراً إلا بتدعيمه بالكثير من التلفيقات والتبريرات التي تتشابك في آخر الأمر لتصنع ما يشبه أيديولوجيا تتخللها العقد النفسية وردود الأفعال النافية/المثبتة في سبيل دعم فرضياتها الهشة.
كانت ملاحظة ذكية – برأيي - تلك التي أوردها د.الباقر العفيف في كتابه (وجوه خلف الحرب) حين أشار إلى عملية الاستدراك الممارسة عن طريق الزواج للتخلص من اللون الأسود وذلك بانتقاء أنثى بيضاء لرفع نسبة البياض في النسل. لكن ما يثير التساؤل هو:  ما الذي تؤدي إليه عملية الانتقاء تلك؟
طيِّب، حين ينتقي ذكور سود إناثاً بيضاوات، فإن نسبة كبيرة من الإناث السوداوات يكن خرجن من (سوق) الزواج. وإذا كان الأطفال الذين ينتجون عن تلك الزيجات أقل سواداً من آبائهم، ثم انتقوا هم كذلك من جديد إناثاً بيضاوات، وخرجت من جديد الإناث ذوات الوصمة (اللون الداكن) من المنافسة؛ فسينتج أطفال أقل بياضاً من أمهاتهم وأقل سواداً من آبائهم.... إلخ. ما تجدر ملاحظته أن عدد السود إناثاً وذكوراً يسير إلى نقصان لصالح عملية التبييض المستمرة. ويأتي لا وعي العملية في أنها تتلثم بمفاهيم أنتجت لتبريرها، فمثلاً قواعد الجمال تغيرت كثيراً وتتغير لتصبح الأنثى الجميلة المشتهاة بيضاء كصفة مركزية تسعى إليها بالكيمياء ذوات الحظ العاثر الذي جعل لونهن أسود مما يخرجهن من المنافسة في سوق الزواج.
تسير هذه العملية (التبييض) بوتيرة تزداد قوة مدعومة بإفرازات الأيديولوجيا المتسترة خلف الكثير من الدعاوى، يغذيها تاريخ طويل من العقد النفسية والقفزات التاريخية المفاجئة والتناقض الحاد والتفاوت بين مكونات عجلة التطور.
إن ما يحدث أمام الجميع يومياً هو إقصاء منظم للون الأسود، في سبيل أن نصبح بيضاً (كما نعتقد) و(كما نبدو)، وهي لعمري طريقة شاقة لخياطة الصدع الذي ينتاب من يفكر في ذاته وكأنه ليس أسود، ليس زنجياً، ليس عبداً، ولكنه في ذات الوقت يحمل صفات السود، والزنوج، ويراه الآخرون عبداً.
أكتب ملاحظاتي هذه وفي ذهني ذلك السعار نحو الأبيض بدعاوى مختلفة على قمتها أنه جميل! فمعظم الإناث داكنات اللون يدركن أن حظوظهن أقل - وتقل بمرور الوقت – في الحصول على شريك ذكر؛ من الأخريات ذوات الألوان التي تميل إلى الأبيض. ورغم كل المعالجات التي يلجأن إليها للتبييض إلا أنهن يدركن أن احتمال نجاحهن ضئيل، سواء أكان نجاحهن في الحصول على عمل مرموق اجتماعياً، أم في الحصول على شريك مناسب.
إن محاولة التخلص من السواد تغذي الكثير من التصرفات والأفعال التي أراها مضحكة أحياناً. فمثلما لاحظ د.الباقر العفيف من قبل أن التبرعات كانت تجمع لفلسطين في عز الأزمة الإنسانية في دارفور؛ نلاحظ أيضاً أن درجة الانفعال بقضايا (البيض) الذين نفترض انتماءنا إليهم أكبر من انفعالنا بقضايا من يشاركوننا ذات الجغرافيا، وذات اللون، وذات السحنة، وذات المصير المشترك (الحقيقي). إنه لأمر يثير العجب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتبوع

11 الدافع الحارق الذي حمل «عامر العربي» على حزم حقيبته متعجلًا ذات أصيل في سنتنا الجامعية الثالثة، ليقرر العودة فجأة إلى قريته، كان هو نفسه ...